درويش .. الفارس الذي ترك الحصان وحيدا
بقلم : محمد جرادات
التاسع من آب لم يكن يوماً اعتياديا ، كان يوما مفصليا رحل فيه الجمال الشعري الخالد ، وتوقف فيه قلب درويش عن الحياة وتوقف نبض كلماته الذي طالما تدفق بأعبق الكلمات، ماذا لدينا من الكلام في حق درويش ؟ فكلماتنا تعجز عن وصف هذا العملاق الشعري والموسوعة الثقافية والفكر المنير والسجل التاريخي الفلسطيني الذي سجله درويش في أشعاره. لا يسعنا إلا أن نرثيه بكلماته هو نفسه كيف لا وهو سيد الكلام ، لماذا تركت الزمان وحيدا يا درويش لماذا تركت الشعر وحيدا ؟ أجل لقد تغلب الموت عليك ولكن لن يتغلب على شعرك وفنك فأنت القائل : (هزمتك يا موت الفنون جميعها )فكيف لا يهزم فنك الجميل الموت؟! لقد رحلت يا درويش لكنك وشعرك ستبقيان ملحمة فلسطين الخالدة التي سترددها الأجيال كملاحم الإغريق التي امتدت لآلاف السنين ، وسيبقى الناس يرددون أشعارك عن الوطن والحب والحياة والجوقات تشدو بكلماتك والعصافير تغرد بها والكمنجات تعزف أشعارك على أوتارها كما القيثارة وسيبقى ديوانك الشعري ديوانا شعريا إنسانيا يقرأ بكل لغات الأرض ، وستبقى استعارتك وحدها المتميزة فالتجربة الدرويشية محال أن تتكرر مرتين ، سنحن إلى حكمك الجميلة كما حننت إلى خبز أمك وقهوتها وكان حزني على أمنيتك فأنت قلت : وأعشق عمري لأني إذا ما مت أخجل من دمع أمي . ولكن القدر أقوى منا جميعا فقد مت وبكت عليك أمك ، لقد سقط حصانك عن القصيدة .. ففي شعرك قلت : سقط الحصان مضرجاً بقصيدتي وأنا سقط مضرجا بدم الحصان. لكنك حي فينا كما السنبلة تموت وتنجب ألف سنبلة ، وذكراك عطرة فينا كعبق ياسمين البروة التي طالما تغنيت بها أو كالغاردينيا الرقيقة التي عشقتها وصحبتها في أشعارك ، فسلام على روحك التي احتضنتها ارض فلسطين في عودتك الأخيرة إلى حضنها .