مينائي والسفينة الغائبة
تتبعثرُ منْي الكَلِمَاتْ فيْ أَرْجَاءِ المَكَانْ
تُعَانقُ هَذيانَ عَقْلي وبُوحُ قَلْبي
تَنْتَظِرُ بِلهْفةٍ تِلكَ الحُروفَ التي تُكَونُهَا
لِتُسَطِرَ بها أرْوعَ الألحانْ
مِينَائي قَائِمٌ مُنْذُ الأزلْ
تُدَاعِبُهُ السُفُنُ التي يَحْتَويهْا
تُزيِّنُهُ نَسَائِمُ البَحْرِ وَرِقَةِ الأمْوَاجْ
تَحُطُّ بِهِ رِحَالُهَا الآفٌ والآفٌ مِنَ الأفْوَاجْ
لا يُبَالي أبَدَاً بِتَغيُراتِ الزَمَانْ
مَا زَالَ صَامِدَاً رَغْمَ المَدِ والجَزْرِ
رغْمَ العَوَاصِفَ الهَوْجَاءْ وَبَردَ الشِتَاءْ
ولكِنَهُ يُعَانِي مِنْ لَوْعَةِ الحِرْمَانْ
سُفُنٌ تَسْتَقِلَهُ بِأشْكَالٍ وَألْوَانْ
هُنْا مَنْ يَحْزمُ الأَمْتِعةِ قَاصِداً الرَحِيلْ
وهُنْا آخَرْ وَلكِنَهُ دَخِيلْ
قَلِيلٌ مَا هُمْ أرَادوا لهُ البَقَاءْ
وأقَامُوا بِهِ حَفَلاتِ النُبَلاءْ
مِينَائِي لا يَحْمِلُ أيَّ عُنْوَانْ
ولكنْ كُلُ مَا أذْكُرُهُ أنّهُ يَقعُ في خَلِيجِ دَمِيْ
يَسْري بِهِ طَرِيقَ عُبُورٍ يُسَمَّىْ شِرْيانْ
مِيْنَائي يَمْتَلكُ أحاسِيسَ وَشُعورٍ وَوجْدَانْ
مِيْنَائي لا يَخْشَى غَدْرَ البِحَارْ
مِيْنَائي لا يَهَابُ الصِغَارَ ولا الكِبَارْ
بِكلِ بَسَاطَه لا يَأْبَى لِمَنْ عَليْهِ يَجُورْ
حَتَى أَصْبَحَ بِهِ مَلايينَ القُبُورْ
مِيْنَائي صَغِيرٌ صَغِيرْ ...لكِنْهُ بالأَفْعَالِ كَبِيِرْ
أُسِسَ لجَميعِ الأوْزَانْ
تُسَيْطرَ عَليْهِ آيَاتٌ مِنَ الفُرْقَانْ
مِيْنَائي ... مِيْنَائِي ... مِيْنَائِي يُحِبّ
لِمَا التَعَجْبْ !! نَعْمْ ،إِنَّهُ يُحِبّ
والشَوقُ والحَنِينُ بِمَرْفَأهُ يَدِبّ
مِيْنَائِي أنْتَ مَا أمْلكْ عَزيزي لا تُصَارعَ الطُوفَانْ
لِمَاذا هَذا التَّحدي أرْجُوكَ عُدْ إلىَ رُشْدكْ !
مِنْ فَضْلكَ فَكر لِبُرْهَهَ ...إسْمَعْنِي لِلَحْظَه
لِمَاذا لا تُجِيبْ ؟ ؟
لا تَجْعلنُي أَشْعرُ بالغَثَيَانْ
هُنَا بَدَأتْ القِصْه مُنذُ زَمنٍ ليسَ بِبَعِيدْ
مُنْذُ نِصْفَ سَنةٍ أوْ يَزيدْ
ولكنْ كل مَا بِقصَتِي جَدِيدٌ جَدِيدْ
سَأرْويهَا لكُمْ مِنَ الوَريدِ إِلى الوَريدْ
قِصْتِي لا يُصْدِقها إنْسٌ وَلا جَآنْ
لمْ يَكنْ أبْطَالُهَا روميو وَجُليتْ
ولا أيْضَاً قَيْسْ وَليْلَى .. أوْ حَتَى كُثَيرْ وَعزَّه
أبْطَالُهَا مِيْنَائي وَسفينَتُهْ الغَائِبَه
كُل مَا يَجْمَعُهمْ شَيْءٌ مِنَ الأمَلْ وحلوِ اللْسَانْ
مِيْنَائي يَمْتَلكُ جِهَازَ رَادَارْ وأَجْهِزةَ إِنْذَارْ
رَادَارُ مِيْنَائي يَلْتقطُ الإشَارَاتْ
وَيُسجلُ العِبَارَاتْ
رَادَارُ مِيْنَائي لا يَعْرفُ النِسْيَانْ
رَادَارُ مِيْنَائي يَرْصدُ تَحركاتِ السُفُنِ
في الذَهابِ والإيَابْ ... بِكلِ الألْوَانْ
إِلْتَقطَ إشَارَاتٍ مِنْ بَعِيدْ
مابَالهُ لا يَتَرنْحَ ... إنّهُ عَنيدْ !
أيا رَادَارْ .. ماذَا يَجْري لمَاذا تَوْقَفْتْ ؟
بَاشِرْ عَمَلكْ ؟ .. نَعْمْ أُكَلمكَ أَنْتْ
تَحرَكْ أيُهَ الأَبْلهْ لا تَكنْ جَبَانْ
لا أَدْري ما الذي أَصَابهْ .. لا أدْرِي مالذي دَهَاهْ
عَزيْزي لا تَقفْ هُنَا هَيا أكْمِلْ عَمَلكْ
قَبْلَ لَحظاتٍ كُنْتَ فَنْانْ !!
أَصْبَحْتُ أثورَ هُنَا وهُنَاكْ كَالبُرْكَانْ
قَررتُ إِصْلاحَ هَذا الخَلْلْ
جَمّعْتُ قُوايْ .. وَسْدَدتُ خُطَاي
أحْضَرتُ مُعْدَاتِي وَقرَرتْ مِنْ أَينَ سَأبْدأ العَمَلْ
حَمَلتُ المِنْظَارْ ووَضعْتُ العيّنَانْ
شَاهدتُ عَلى الضِفَةِ الآخْرَى
سَفينةٌ جَمِيلةٌ بهْيةٌ هَادِئةٌ رَائعةٌ مَمْلوؤةٌ بِالحَنَانْ
سُبَحانَ خَالِقها ..سُبْحَانَ بَاريْهَا سُبْحَانْ
دَاهمنِي الوَقْتْ .. ولَفَنِيّ الصَمْتْ
ألِهَذا جِزعَ الرَادَارْ ؟؟
أمْ لِهَذا اتخذَ مِيْنَائي القَرَارْ؟؟
رَادَارِي دَعْهَا وَشأْنَهَا إنَّهَا صَعْبَةُ المَنَالْ
مِيْنَائِي لنْ تَحُطَ رِحَالهَا بِكَ هَذا خيَالْ
لا أحَدْ يُجِيبْ ..كَيْفَ بِهمْ وأنَا أشْهدُ لهَا بِالعِرْفَانْ
نَعمْ إنَّهَا دُرَةُ الأكْوَانْ ..
ِمِيْنَائِي بَاتَ مُتَيَّمْ ..مِيْنَائِي عَاشِقٌ وَلهَانْ
يُدَاعِبُ هَمَسَاتِهَا صَبَاحَ مَسَاءْ
يُرْسِلُ لهَا مَعَ الشَمْسِ أرَقَ العِبَارَاتْ
وتُرْسِلُ لَهُ مَعَ المَوْجِ إبْتسَامَاتْ
أَسَرتْ مِيْنَائِي ..وأَسَرَهَا مِيْنَائِي
وبَاتَ كِلاَهُمَا سَجَّانْ
مِيْنَائِي يَرْنُو إلَى المُسْتَحِيلْ
والسَفينةُ تَرْجُو بُلوغَ المينَاءَ العَليْلْ
مِيْنَائِي والسَفِينةُ كِلاَهُمَا حَتَى الصَّبَاحِ سَهْرَانْ
يَتَبَادلانِ الإشَارَاتْ
ويُقرِبَانِ عَلى بَعْضِهمَا المَسافَاتْ
يُفكِرُونَ ..يُخططونَ..يَرْسمُونْ
يَدْعونَ الله ويَلعنُونَ الشَيْطَانْ
مِيْنَائِي بِكلِ مَسَاءٍ يُغَازِلهَا
ومَعَ الصَباحِ يُرْسِلُ الطُيورَ لتُدَاعِبُهَا
يَهْدِيهَا وَرْدَةً مِنَ البُسْتَانْ
تَهْدِيهِ فُلٌ وَرْيحَانْ
حَبيبتِي ..صَغيرَتي ..جَمِيلتَي
إسْحَبي المِرسَاةَ هَيَّا ..
هيَّا إصْعدي إلى قُمْرةِ القُبْطَانْ
واتْركِي خَلفَكِ كُلَ الأَحْزَانْ
كمْ أتمَنى ياعَزيْزي العِنَاقْ
وأنَا أيْضَاً لكنَنْي أخَافُ أنْ يَِكونَ آخرُ المِشْوارِ فُرَاقْ
لا تَخَافَ عَزْيزي لنْ تُصْبِحَ رَفح رَفَحَانْ
كما أصْبَحتْ عَسْكَرُ عَسْكَرَانْ
حسناً يا سفيْنَتي ..يا عَزيْزَتي ..يا مَعْشُوقَتي
لنْ ألْقِيكِ يَومَاً بِذَاكرةِ النسْيَّانْ.