منع المآذن في سويسرا والحرب على الرموز

تتابعت ردود الأفعال الإسلامية لتعلن رفضها قرار حظر سويسرا لإقامة المآذن في أي مسجد جديد يقام على أراضيها ،وهو قرار يعبر بوضوح عن عدم التسامح وعدم احترام الرموز الدينية للمسلمين ،

حيث :

قرر حزب الشعب السويسري «اليميني» ذو الأغلبية البرلمانية، إطلاق المزيد من المبادرات ضد ما سماه «انتشار الإسلام في سويسرا» عقب موافقة أغلبية شعبية على حظر بناء مآذن جديدة للمساجد هناك، وتشمل قائمة المبادرات الجديدة حظر ارتداء الحجاب في الأماكن العامة، فضلا عن منع المسلمين من بناء مقابر خاصة بهم.

قال الله عز وجل :

{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَـئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}

ولنتخيل ولو لوهلة أن بلداً مسلماً أصدر قراراً بمنع بناء أجراس الكنائس ... ماذا كان سيحدث؟ لقامت الدنيا ولم تقعد ولهاج العالم منتقداً الإسلام ووصفه بالإرهاب والتطرف وبالتعصب والعنصرية ، أما أن يحدث ذلك في قلب أوروبا في سويسرا بلد الحريات وحقوق الإنسان والديمقراطية والتسامح والحياد والأمان !!! فلقد جاءت نتائج الاستفتاء على اقتراح حظر بناء المآذن في المساجد وكأنه أمر طبيعي ، ليؤكد ذلك لكل مسلم مخدوع أن فكرة الحياد الدولي في سويسرا ما هي إلا وهم كبير ، نعم نحن نعلم جيدا أن المآذن ليست إلا رمزاً وعدم وجودها لا يؤثر على وظيفة المسجد ولا ينقص من صحة الصلاة ، لكنها حرب على الرموز ، وقد أخطأ من استهان بتلك المعركة ، فحرب الرموز أشد أنواع الحرب خطورة وتأثيراً ،فتغيير الرموز وتعديلها يرسخ مفهوم الانصياع التام ويؤكد ثقافة الانهزام أمام الأخر وهو أمر من الصعب علاجه ومن الأصعب أن يعود لأصله ، والحرب تدور على جبهتين هما العسكرية والفكرية ، والقضية أعمق وأكبر من مجرد مئذنة ، فقد شن الحزب اليميني المتطرف في سويسرا حرباً فكرية ضد المسلمين استطاع بها أن يكسب الشعب السويسري ، فاختار ملصقات بشعة تمثل علم سويسرا تقف عليه امرأة منتقبة بلباس أسود مغطاة بالكامل بينما يخترق العلم عدداً كبيراً من المآذن التي بدت وكأنها صواريخ حربية ،وملصق آخر يظهر عدد آخر من المآذن المرتفعة في سماء سويسرا وكتب تحت الملصق عبارة : إذا أردت أن تكون بلادك بهذا الشكل فصوت لمصلحة بناء المآذن ، وملصق ثالث ظهرت فيه خريطة سويسرا وقد اخترقته مئذنة ضخمة ، وملصق رابع رسم لهم المآذن على شكل أجهزة تناسلية ترمز إلى فحولة المسلمين وطغيان النزعة الذكورية لديهم ، وصوروا لهم الحضور الإسلامي في سويسرا كخطر يهدد أبنائهم في عقيدتهم المسيحية ، ولذلك كانت كارثة تصويت السويسريين لصالح منع بناء المآذن في المساجد الإسلامية فوق أراضيهم استجابة لدعوة عنصرية أطلقها الحزب اليميني وباركتها الحكومة من وراء الستار بقبولها عرض المسألة للتصويت ، إذن هي حرب على الإسلام ، ليس في سويسرا فحسب ، بل في كل الدول الأوربية التي تعيش بها جاليات مسلمة كبيرة ، فتجد أن الحزب اليميني المتطرف اليوم يحاول إثارة نقاشات مرتبطة بالمهاجرين ومدى اندماجهم في النسيج المجتمعي الأوربي ، وبدأت كل الحكومات الأوربية في التنسيق في ما بينها على الصعيد الأوربي لوقف الزحف الإسلامي إلى أراضيها ، فجاءت قوانين فرنسا بحظر ارتداء الحجاب بالمدارس قبل سنوات ،وتبعته بريطانيا عندما وضعت قوانين جديدة لمكافحة الإرهاب أتضح أنها كانت موجهة أساساً لتجفيف منابع تمويل الجمعيات الإسلامية الخيرية في بريطانيا ، ووصلت الحمى إلى أسبانيا عندما منعت مدارس دخول طالبات بالحجاب ومنع قاض محامية مسلمة تضع الحجاب على رأسها من دخول قاعة المحكمة ، وكل ذلك يتزامن مع طرح الرئيس الفرنسي وحزبه نقاشاً حول الهوية الوطنية ومعناها : إما أن يقبل المسلم في فرنسا بالانسلاخ والتجرد من جذوره الإسلامية العربية أو الأفريقية لكي ينتمي بالكامل إلى العرق الفرنسي والثقافة الفرنسية والهوية الفرنسية وإما أن يعود إلى حيث جذوره التي يفتخر بها ، وفي إيطاليا هناك عودة قوية لتحالف الشمال الذي يدعو إلى تضييق الخناق على المهاجرين خصوصاً منهم المغاربة وذلك بتسليط الأضواء عليهم في قضية الحجاب والصيام ، بل أن هذا التحالف كان وراء إجبار العمال المغاربة المهاجرين على الإفطار في رمضان أثناء العمل ، وفي سويسرا استبقوا الأمور وصوتوا لصالح حظر بناء المآذن ، فهل هذا كله مصادفة إذاً؟ أن تتزامن كل هذه النكبات على مسلمي أوربا ؟ ، لا ، ليس هناك مصادفة ، بل كل شيء مخطط له بإحكام شديد ، بل هي حرب ، خفية تارة ومعلنة أخرى ، ضد الوجود الإسلامي في أوروبا ، حرب تأخذ أشكالاً ( ديمقراطية ) و ( قانونية ) حتى لا يظهر العالم الحر والمتقدم عارياً على حقيقته فتتحطم الصورة المثالية التي يريد تقديمها عن نفسه كمجتمع يعطي الدروس حول الأخلاق و المبادئ الديمقراطية لدول العالم الثالث ، فالعالم ( الحر) يتخذ قراراته من أجل التضييق على المسلمين بطريقة ديمقراطية وذلك عبر الاستفتاء والتصويت وقوانين الهجرة والتي يصوت عليها ممثلو الشعب في البرلمان ومجلس الشيوخ ، وذلك للحد من المهاجرين المسلمين إلى أراضي أوربا والإقامة فيها ، ولعل ما تفعله أسبانيا الآن مع المسلمين المغاربة والتي تخطط لأكبر عملية طرد لهم ( قانونية ) من فوق أراضيها وذلك للخوف من الإسلام وقدرته الكبيرة على الانتشار في كل أوربا ، فأنت تلاحظ تشدداً واضحاً وصرامة في تطبيق القوانين على الجاليات المسلمة ، وتراخ واضح في التصدي للجرائم العنصرية التي يتعرض لها المهاجرون المسلمون في كثير من الدول الأوربية ، ولعل ما حدث ل ( مروة الشربيني ) في ألمانيا ليس ببعيد ، فالصراع ديني في عمقه ، هكذا كان وهكذا سيظل ، وحوارات الحضارات ما هو إلا أكذوبة يريدون أن يصدقها العالم الإسلامي في انتظار تقليم أظافره بلداً بلداً ، ولم يثبت التاريخ يوماً أن الإسلام عاش في كنف المسيحية واليهودية بسلام ، والأمثلة كثيرة على المحن والمجازر التي تعرض لها المسلمون على أيدي هؤلاء عندما يكونون أقلية بينهم ( الشيشان ، البوسنة ، والألبان ........... ) ولعل الإسلام هو الدين الوحيد الذي أعطى المثل على قدرته على احتضان الديانات الأخرى وهو في أوج قوته ، ففي الأندلس عاش النصارى واليهود في كنف المسلمين طيلة ثمانية قرون ، وبمجرد ما تمكنت الكنيسة الكاثوليكية من بسط سيطرتها على الأندلس أقامت محاكم التفتيش وطردت المسلمين ومن بعدهم اليهود مسجلة أكثر صفحات التاريخ سواداً باسم الكنيسة والدين المسيحي ،

وصدق الله العظيم ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم )

فالصراع ديني في عمقه هكذا كان وهكذا سيظل ، فهل نفيق قبل فوات الأوان ؟

والله من وراء القصد

كتبه فضيلة الشيخ / صلاح عبد المعبود

كارثة عظيمه ما يحدث
اللهم انتقم من اعداء الاسلام يا رب
مشكوره ساره
جزاك الله الف خير